كانت حقبة تنتهي، وبطلاها الرجلان اللذان منحاها جل ملامحها، يتقابلان في غرف اللاعبين.
أصاب رافاييل نادال عندما قال "حظ سيئ للغاية" لروجيه فيدرر. وأضاف الأسباني بكل الحب والإعجاب الذي يكنه للسويسري "تشجع".
لم تكن هناك فرصة للمزيد، فمن ناحية نادال كان عليه النزول لخوض ثاني مباريات الدور قبل النهائي لبطولة أميركا المفتوحة للتنس أمام البريطاني آندي موراي، لكن الناحية الأهم تمثلت في أنه لم يكن هناك أي معنى لقول المزيد. فللعام الثاني على التوالي كان فيدرر يخرج من نفس الدور بعد أن يهدر نقاطا لحسم الأمور أمام نوفاك ديوكوفيتش.
كان الألم لدى السويسري كبيرا. فلماذا الإيغال في الجرح؟ الأمر كان يتعلق في كل الأحوال بما هو أكثر من مجرد هزيمة، لأن وداع نيويورك كان يضع نقطة النهاية لثمانية مواسم تمكن فيدرر فيها جميعا من الفوز بواحدة على الأقل من البطولات الأربع الكبرى "غراند سلام".
لكن الأمور كانت مختلفة تماما في 2011، عندما انتهت الأحلام عند حدود قبل نهائي أستراليا ونهائي رولان غاروس وقبل نهائي ويمبلدون وقبل نهائي أميركا المفتوحة.
ولو كان تمكن من الفوز على لاعب التنس الذي بات شيطانا حقيقيا اليوم، وهو ديوكوفيتش، كان فيدرر سيغذي بصورة أكبر أسطورته بإنجاز آخر فريد، لأنه هو من أوقف عدد الانتصارات المتتالية للصربي عند رقم 43 في رولان غاروس. ولو فعلها مجددا، كانت مكانة السويسري ستتعزز في الموسم الغريب الذي يحياه. كما أن نهائيا مثيرا للغاية كان سينتظره أمام نادال.
لكن شيئا من ذلك لم يحدث، وأمس طار من فوره إلى أستراليا من أجل المشاركة في كأس ديفيز، في رحلة ستوفر له الوقت اللازم كي يبحث مع نفسه ما حدث أكثر من مرة.
فيدرر يتحسر
وقال فيدرر دون مواربة، بصوت حزين وقبعة تخفي أغلب معالم وجهه جيدا "كان علي أن أفوز بهذه المباراة".
كانت روح فيدرر تؤلمه كلاعب تنس وكذلك فخره كبطل، وكذلك والده روبرت الجالس في الصف الخامس، فالهزيمة بدا أنها ضربت نجله بقسوة: "أفضل عدم الحديث، أفضل عدم الحديث".
على العكس من ذلك، كان نجله يتحدث رغم أن بعض الأسئلة كانت مؤلمة، ورغم أن بعض الإجابات التي قدمها لم تكن مقنعة. فالسويسري كما فعل طيلة مشواره واجه كل الأسئلة، وغاص في بعض تفاصيل تاريخه وبعض تفاصيل تاريخ الآخرين، بل وأطلق بعض المزحات، كانت دون طعم حقا لكنها تبقى مزحات في كل الأحوال.
وقال بالألمانية "إنه إحساس غريب. لا يزال علي التفكير في الكيفية التي خسرت بها هذه المباراة. كان يفترض أن يكون هذا المؤتمر الصحفي إيجابيا، وليس سلبيا".
وقال فيدرر الذي لم يخرج من العام حتى الآن سوى بلقب وحيد في الدوحة مطلع الموسم "ربما يكون عاما شاقا بالنظر إلى بعض الهزائم المؤلمة في بعض مراحل الموسم".
أسوأ أعوام فيدرر
وبالنسبة لرجل فاز بـ67 لقبا خلال مشواره"، 16 منها في بطولات "الغراند سلام" الأربع الكبرى، يمثل ذلك اللقب الوحيد في الدوحة أن هناك شيئا لم يعد كما سبق، خاصة إذا ما قورن بعامي 2004 و2005 عندما أحرز 11 لقبا، أو عام 2006 عندما توج 12 مرة.
ولا يزال فيدرر، الزوج والأب لتوأمتين تبلغان من العمر عامين، لاعب تنس يثير ويصدم، لكنه فقد جانبا من قدرته على حسم مباريات مهمة في أوقات حاسمة.
هل هي النهاية؟ زملاؤه يرفضون تصديق الأمر، وفيدرر الذي يؤكد أنه سيصل إلى بطولة أستراليا المفتوحة في كانون الثاني/يناير "بعطش كبير" للانتصارات، أمامه في 2012 العديد من المحفزات.
من ناحية، عليه أن يعود للفوز بأحد ألقاب الغراند سلام. ومن أخرى أمامه فرصة فريدة لأن يلعب مرتين على عشب ويمبلدون المقدس، بالنظر إلى أن مجمع "أول إنغلاند" سيستضيف منافسات التنس خلال دورة لندن الأولمبية. بل إنه يحاول إقناع مواطنته مارتينا هينغز بالعودة من الاعتزال كي تشاركه منافسات الزوجي المختلط.
ذلك لأن فيدرر يريد اللعب. فمثلما لا يتخيل ليو ميسي نفسه دون كرة، لا يرى السويسري لنفسه ملامح دون مضرب. بل إنه يفكر في البقاء لعدة مواسم أخرى، الأمر الذي لوحظ في نظرته السبت: كان يجيب بتيقظ وبلطف على الأسئلة الموجهة إليه، إلا أن عينيه كانتا تزيغان نحو التلفاز الذي يعرض مباراة نادال وآندي موراي. فمن نفس ذلك الملعب أتى فيدرر، وإلى نفس هذا الملعب كان يبدو مستعدا للتضحية بأي شيء من أجل العودة اليوم.